الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
سبق أن ذكر المؤلف كتاب التوحيد؛ أي وجوب التوحيد، وأنه لابد منه، وأن معنى قوله تعالى:
وهنا ذكر المؤلف فضل التوحيد، ولا يلزم من ثبوت الفضل للشيء أن يكون غير واجب، بل الفضل من نتائجه وآثاره.
ومن ذلك صلاة الجماعة ثبت فضلها بقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
ولا يلزم من ثبوت الفضل فيها أن تكون غير واجبة؛ إذ إن التوحيد أوجب الواجبات، ولا تقبل الأعمال إلا به، ولا يتقرب العبد إلى ربه إلا به، ومع ذلك ففيه فضل.
قوله: (وما يكفر من الذنوب). معطوف على (فضل)؛ فيكون المعنى: باب فضل التوحيد، وباب ما يكفر من الذنوب، وعلى هذا؛ فالعائد محذوف والتقدير ما يكفره من الذنوب، وعقد هذا الباب لأمرين:
الأول: بيان فضل التوحيد.
الثاني: بيان ما يكفره من الذنوب؛ لأن من آثار فضل التوحيد تكفير الذنوب.
وقوله الله تعالى:
فمن فوائد التوحيد:
1 ـ أنه أكبر دعامة للرغبة في الطاعة؛ لأن الموحد يعمل لله ـ سبحانه وتعالى ـ وعليه فهويعمل سرًا وعلانية، أما غير الموحد؛ المرائي مثلًا؛ فإنه يتصدق ويصلي، ويذكر الله إذا كان عنده من يراه فقط، ولهذا قال بعض السلف: (1)
2 ـ أن الموحدين لهما الأمن وهم متهدون؛ كما قال تعالى:
* * *
قوله: (لم يلبسوا)، أي: يخلطوا.
قوله: (بظلم)، الظلم هنا ما يقابل الإيمان، وهو الشرك، ولما نزلت هذه الآية شق ذلك على الصحابة، وقالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
* والظلم أنواع:
1ـ أظلم الظلم، وهوالشرك في حق الله.
2ـ ظلم الإنسان؛ فلا يعطيها حقها، مثل أن يصوم فلا يفطر، ويقوم فلا ينام.
3ـ ظلم الإنسان غيره، مثل أن يتعدى على شخص بالضرب، أو القتل أو أخذ مال، أو ما أشبه ذلك.
وإذا انتفى الظلم؛ حصل الأمن، لكن هل هو أمن كامل؟
الجواب: أنه إن كان الإيمان كاملًا لم يخالطه معصية؛ فالأمن أمن مطلق، أي كامل، وإذا كان الإيمان مطلق إيمان ـ غير كامل ـ فله مطلق الأمن؛ أي: أمن ناقص.
مثال ذلك: مرتكب الكبيرة، آمن من الخلود في النار، وغير آمن من العذاب، بل هو تحت المشيئة، قال الله تعالى:
وهذه الآية قالها الله تعالى حكمًا بين إبراهيم وقومه حين قال لهم:
قوله: {الأمن}، آل فيها للجنس، ولهذا فسرنا الأمن بأنه إما أمن مطلق، وإما مطلق أمن حسب الظلم الذي تلبس به.
قوله: {وهم مهتدون} [الأنعام: 82]، أي: في الدنيا إلى شرع الله بالعلم والعمل؛ فالاهتداء بالعلم هداية الإرشاد كما قال الله تعالى في أصحاب الجحيم:
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
والاهتداء بالعمل: هداية توفيق، وهم مهتدون في الآخرة إلى الجنة.
فهذه هداية الآخرة، وهي للذين ظلموا إلى صراط الجحيم؛ فيكون مقابلها أن الذين آمنوا ولم يظلموا يهدون إلى صراط النعيم.
وقال كثير من المفسرين في قوله تعالى:
أن الله أثبت الأمن لمن لم يشرك، والذي لم يشرك يكون موحدًا؛ فدل على أن من فضائل التوحيد استقرار الأمن.
* * *
قوله: (من شهد أن لا إله إلا الله)، الشهادة لا تكون إلا عن علم سابق، قال تعالى:
فالعلم بأنه لا إله إلا الله غريزي، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
وقد يكون مكتسبًا، وذلك بتدبر آيات الله، والتفكر فيها.
ولابد أن يوجد العلم بلا إله إلا الله ثم الشهادة بها.
قوله: (أن)، مخففة من الثقيلة، والنطق بأن مشددة خطأ؛ لأن المشددة لا يمكن حذف اسمها، والمخففة يمكن حذفه.
قوله: (لا إله)، أي: لا مألوه، وليس بمعنى لا آله، والمألوه: هوالمعبود محبة وتعظيمًا، تحبه وتعظمه لما تعلم من صفاته العظيمة وأفعاله الجليلة.
قوله: (إلا الله)، أي: لا مألوه إلا الله، ولهذا حكي عن قريش قولهم:
أما قوله تعالى:
وبهذا يحصل الجمع بين قوله تعالى:
لأنها لا تنفع ولا تضر، ولا تخلق ولا ترزق؛ كما قال تعالى:
يقولون: إن معنى إله: آله، والآله: القادر على الاختراع؛ فيكون معنى لا إله إلا الله: لا قادر على الاختراع إلا الله.
والتوحيد عندهم: أن توحد الله، فتقول: هو واحد في ذاته، لا قسيم له، وواحد في أفعاله لا شريك له، وواحد في صفاته لا شبيه له، ولو كان هذا معنى لا إله إلا الله؛ لما أنكرت قريش على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دعوته ولآمنت به وصدقت؛ لأن قريشًا تقول: لا خالق إلا الله، ولا خالق أبلغ من كلمة لا قادر؛ لأن القادر قد يفعل وقد لا يفعل، أما الخالق؛ فقد فعل وحقق بقدرة منه، فصار فهم المشركين خيرًا من فهم هؤلاء المتكلمين والمنتسبين للإسلام؛ فالتوحيد الذي جاءت به الرسل في قوله تعالى:
ومن المؤسف أنه يوجد كثير من الكتاب الآن الذين يكتبون في هذه الأبواب تجدهم عندما يتكلمون على التوحيد لا يقررون أكثر من توحيد الربوبية، وهذا غلط ونقص عظيم، ويجب أن نغرس في قلوب المسلمين توحيد الألوهية أكثر من توحيد الربوبية؛ لأن توحيد الربوبية لم ينكره أحد إنكارًا حقيقيًا، فكوننا لا نقرر إلا هذا الأمر الفطري المعلوم بالعقل، ونسكت عن الأمر الذي يغلب فيه الهوى هو نقص عظيم؛ فعبادة غير الله هي التي يسيطر فيها هوى الإنسان على نفسه حتى يصرفه عن عبادة الله وحده، فيعبد الأولياء ويعبد هواه، حتى جعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي
همه الدرهم والدينار ونحوهما عابدًا [سبق تخريجه (ص 23).] ، وقال الله ـ عز وجل ـ:
فالمعاصي من حيث المعنى العام أو الجنس العام يمكن أن نعتبرها من الشرك.
وأما بالمعنى الأخص؛ فتنقسم إلى أنواع:
1ـ شرك أكبر.
2ـ شرك أصغر.
3ـ معصية كبيرة.
4ـ معصية صغيرة.
وهذه المعاصي منها ما يتعلق بحق الله، ومنها ما يتعلق بحق الإنسان نفسه، ومنها ما يتعلق بحق الخلق.
وتحقيق لا إله إلا الله أمر في غاية الصعوبة، ولهذا قال بعض السلف: (2)
وقال بعض السلف: (3)
ذاك هو العلامة البينة على أن إيمانكم صريح لأنه ورد عليه، ولا يرد إلا على قلب صحيح خالص.
قوله: (من شهد أن لا إله إلا الله)، من: شرطية، وجواب الشرط: (أدخله الله الجنة على ما كان من العمل).
والشهادة: هي الاعتراف باللسان، والاعتقاد بالقلب، والتصديق بالجوارح، ولهذا لما قال المنافقون للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
وقوله: (لا إله إلا الله)، أي: لا معبود على وجه يستحق أن يعبد إلا الله, وهذه الأصنام التي تعبد لا تستحق العبادة؛ لأنه ليس فيها من خصائص الألوهية شيء.
قوله: (وحده لا شريك له)، وحده: توكيد للإثبات، لا شريك له: توكيد للنفي في كل ما يختص به من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات.
ولهذا كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وغيره من المؤمنين يلجئون إلى الله تعالى عند الشدائد؛
وقولنا فيما يختص به حتى نسلم من شبهات كثيرة، منها شبهات النافين للصفات؛ لأن النافين للصفات زعموا أن إثبات الصفات إشراك بالله ـ عز وجل ـ حيث قالوا؛ يلزم من ذلك التمثيل، لكننا نقول: للخالق صفات تختص به، وللمخلوق صفات تختص به.
قوله: (وأن محمدًا)، محمد: هومحمد بن عبد الله بن عبد المطلب القرشي، الهاشمي، خاتم النبيين.
وقوله: (عبده)؛ أي: ليس شريكًا مع الله.
وقوله: (ورسوله)؛ أي: المبعوث بما أوحي إليه؛ فليس كاذبًا على الله.
فالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبد مربوب، جميع خصائص البشرية تلحقه ما عدا شيئًا واحدًا، وهوما يعود إلى أسافل الأخلاق؛ فهو منزه معصوم منه، قال تعالى
فهو بشر مثلنا؛ إلا أنه يوحى إليه، قال تعالى:
ومن قال: إن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس له ظل، أوأن نوره يطفيء ظله إذا مشى في الشمس؛ فكله كذب باطل، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: (4)
ومن الغلو قول البوصيري في (البردة) المشهورة:
إن لم تكن آخذًا يوم المعاد يدي ** فضلًا وإلا فقل يا زلة القــدم
فإن جودك الدنيا وضرتهـــا ** ومن علومك علم اللوح والقلـم
قال ابن رجب وغيره: إنه لم يترك لله شيئًا ما دامت الدنيا والآخرة من جود الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ
ونشهد أن من يقول هذا؛ ما شهد أن محمدًا عبد الله، بل شهد أن محمدًا فوق الله! كيف يصل بهم الغلو إلى هذا الحد؟!
وهذا الغلو فوق غلو النصارى الذين قالوا: إن المسيح ابن الله، وقالوا: إن الله ثالث ثلاثة.
هم قالوا فوق ذلك، قالوا: إن الله يقول:
أما الرسالة؛ فهو رسول أرسله الله ـ عز وجل ـ بأعظم شريعة إلى جميع الخلق، فبلغها غاية البلاغ، مع أنه أوذي وقوتل، حتى إنهم جاءوا بسلا الجزور وهو ساجد عند الكعبة ووضعوه على ظهره، كل ذلك كراهية له ولما جاء به، ومع ذلك صبر، يلقون الأذى والأنتان والأقذار على عتبة بابه، لكن هذا للنبي الكريم امتحان من الله ـ عز وجل ـ لأجل أن يتبين صبره وفضله، يخرج ويقول: (أي جوار هذا يا بني عبد مناف؟)، فصبر ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى فتح الله عليه، وأنذر أم القرى ومن حولها، ثم إنه حمل هذه الشريعة من بعده أشد الناس أمانة وأقواهم على الاتباع؛ الصحابة رضي الله عنه، وأدوها إلى الأمة نقية سليمة، ولله الحمد.
ونحب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لله وفي الله؛ فحب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من حب الله ونقدمه على أنفسنا ووأهلنا وأولادنا والناس أجمعين، وأحببناه من أجل أنه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ.ونحقق شهادة أن محمدًا رسول الله، وذلك بأن نعتقد ذلك بقلوبنا، ونعترف به بألسنتنا، ونطبق ذلك في متابعته ـ صلى الله عليه وسلم ـ بجوارحنا، فنعمل بهدية، ولا نعمل له.
أما ما ينقض تحقيق هذه الشهادة؛ فهو:
1ـ فهل المعاصي؛ فالمعصية نقص في تحقيق هذه الشهادة؛ لأنك خرجت بمعصيتك من اتباع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
2ـ الابتداع في الدين ما ليس منه؛ لأنك تقربت إلى الله بما لم يشرعه الله ولا رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والابتداع في الدين في الحقيقة من الاستهزاء بالله؛ لأنك تقربت إليه بشيء لم يشرعه.
فإن قال قائل: أنا نويت التقرب إلى الله بهذا العمل الذي ابتدعه.
قيل له: أنت أخطأت الطريق؛ فتعذر على نيتك، ولا تعذر على مخالفة الطريق متى علمت الحق.
فالمبتدعون قد يقال: إنهم يثابون على حسن نيتهم إذا كانوا لا يعملون الحق، ولكننا نخطئهم فيما ذهبوا إليه، أما أئمتهم الذين علموا الحق، ولكن ردوه ليبقوا جاههم؛ ففيهم شبه بأبي جهل، وعتبة بن ربيعة، والوليد بن المغيرة، وغيرهم الذين قابلوا رسالة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالرد إبقاء على رئاستهم وجاههم.
أما بالنسبة لأتباع هؤلاء الأئمة فينقسمون إلى قسمين:
القسم الأول: الذين جهلوا الحق، فلم يعلموا عنه شيئًا، ولم يحصل منهم تقصير في طلبه، حيث ظنوا أن ما هم عليه هوالحق؛ فهؤلاء معذورون.
القسم الثاني: من علموا الحق، ولكنهم ردوه تعصبًا لأئمتهم؛ فهؤلاء لا يعذرون، وهم كم قال الله فيهم:
قوله: (وأن عيسى عبد الله ورسوله)، الكلام فيها كالكلام في شهادة أن محمدًا رسول الله، إلا أننا نؤمن برسالة عيسى، ولا يلزمنا اتباعه إذا خالفت شريعته شريعتنا.
فشريعة من قبلنا لها ثلاث حالات:
الأولى: أن تكون مخالفة لشريعتنا؛ فالعمل على شرعنا.
الثانية : أن تكون موافقة لشريعتنا؛ فنحن متبعون لشريعتنا.
الثالثة : أن يكون مسكوتًا عنها في شريعتنا، وفي هذه الحال اختلف علماء الأصول: هل نعمل بها، أو ندعها؟
والصحيح أنها شرع لنا، ودليل ذلك:
1ـ قوله تعالى:
2ـ قوله تعالى:
وقد تطرف في عيسى طائفتان:
الأولى: اليهود كذبوه، فقالوا: بأنه ولد زنى، وان أمه من البغايا، وأنه ليس بنبي، وقتلوه شرعًا؛ أي: محكوم عليهم عند الله أنهم قتلوه في حكم الله الشرعي؛ لقوله تعالى عنهم:
الثانية: النصارى قالوا: إنه ابن الله، وإنه ثالث ثلاثة، وجعلوه إلهًا مع الله، وكذبوا فيما قالوا.أما عقيدتنا نحن فيه: فنشهد أنه عبدالله ورسوله، وأن أمه صديقة؛ كما أخبر الله تعالى بذلك، وأنها أحصنت فرجها، وأنها عذراء، ولكن مثله عند الله كمثل آدم، خلقه من تراب ثم قال له: كن؛ فيكون.
وفي قوله: (عبدالله)، رد على النصارى.
وفي قوله: (ورسوله)، رد على اليهود.
قوله:
وعيسى عليه السلام ليس كلمة الله؛ إذ إن كلام الله وصف قائم به، لا بائن منه، أما عيسى؛ فهوذات بائنة عن الله ـ سبحانه ـ يذهب ويجيء، ويأكل الطعام ويشرب.
قوله:
ومريم ابنة عمران ليست أخت موسى وهارون عليهما السلام كما يظنه بعض الناس، ولكن كما قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم [مسلم: كتاب الآداب/باب النهي عن التكني بأبي القاسم وما يستحب من الأسماء] ؛ فهارون أخومريم، ليس هارون أخا موسى، بل هوآ خر يسمى باسمه، وكذلك عمران سمي باسم أبي موسى. قوله: (وروح منه)، أى: صار جسده عليه السلام بالكلمة، فنفخت فيه هذه الروح التي هي من الله؛ أي: خلق من مخلوقاته أضيفت إليه تعالى للتشريف والتكريم.
وعيسى عليه السلام ليس روحا، بل جسد ذوروح، قال الله تعالى:
فبالنفخ صار جسدا، وبالروح صار جسدا وروحا.
قوله: (منه) هذه هي التي أضلت النصارى، فظنوا أنه جزء من الله فضلوا وأضلوا كثيرا، ولكننا نقول: إن الله قد أعمى بصائركم؛ فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور؛ فمن المعلوم أن عيسى عليه السلام كان يأكل الطعام، وهذا شيء معروف، ومن المعلوم أيضا أن اليهود يقولون إنهم صلبوه، وهل يمكن لمن كان جزءًا من الرب أن ينفصل عن الرب ويأكل ويشرب ويدعى أنه قتل وصلب؟
وعلى هذا تكون (من) للابتداء، وليست للتبعيض؛ فهي كقوله تعالى:
واعلم أن ما أضافه الله إلى نفسه ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: العين القائمة بنفسها، وإضافتها إليه من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، وهذه الإضافة قد تكون على سبيل عموم الخلق؛ كقوله تعالى:
وقد تكون على سبيل الخصوص لشرفه؛ كقوله تعالى:
الثاني: أن يكون شيئا مضافا إلى عين مخلقة يقوم بها، مثاله قوله تعالى: {وروح منه} [النساء:171]؛ فإضافة هذه الروح إلى الله من باب إضافة المخلوق إلى خالقه تشريفا؛ فهي روح من الأرواح التي خلقهاالله، وليست جزءًا أوروحا من الله؛ إذ أن هذه الروح حلت في عيسى عليه السلام، وهوعين منفصلة عن الله، وهذا القسم مخلوق أيضا.
الثالث: أن يكون وصفا غير مضاف إلى عين مخلوقة، مثال ذلك قوله تعالى:
فالأعيان القائمة بنفسها والمتصل بهذه الأعيان مخلوقة، والوصف الذي لم يذكر له عين يقوم بها غير مخلوق؛ لأنه يكون من صفات الله، وصفات الله غير مخلوقه. وقد اجتمع القسمان في قوله:) كلمته، وروح منه)؛ فكلمته هذه وصف مضاف إلى الله، وعلى هذا؛ فتكون كلمته صفة من صفات الله.
ولهما [ البخاري: كتاب الصلاة/ باب المساجد في البيوت، ومسلم: كتاب المساجد/باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر.] في حديث عتبان: فإن الله حرم على النار من قال:
وروح منه: هذه أضيفت إلى عين؛ لأن الروح حلت في عيسى؛ فهي مخلوقة
قوله: (أدخله الله الجنة)، إدخال الجنة ينقسم إلى قسمين:
الأول: إدخال كامل لم يسبق بعذاب لمن أتم العمل.
الثاني: إدخال ناقص مسبوق بعذاب لمن نقص العمل.
فالمؤمن إذا غلبت سيئاته حسناته إن شاء الله عذبه بقدر عمله، وإن شاء لم يعذبه، قال الله تعالى:
* * *
قوله: (عتبان)، هوعتبان بن مالك الأنصاري رضي الله عنه، كان يصلي بقومه، فضعف بصره، وشق عليه الذهاب إليهم، فطلب من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يخرج إليه وأن يصلي في مكان من بيته ليتخذه مصلى، فخرج إليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومعه طائفة من أصحابه، منهم أبوبكر وعمر رضي الله عنهما، فلما دخل البيت؛ قال (أين تريد أن أصلي؟). قال: صل ها هنا. وأشار إلى ناحية من البيت، فصلى بهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ركعتين، ثم جلس على طعام صنعوه له، فجعلوا يتذاكرون، فذكروا رجلا يقال له: مالك بن الدخشم، فقال بعضهم: هو لا إله إلا الله؛ يبتغي بذلك وجه الله).
منافق. فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
فنهاهم أن يقولوا هكذا؛ لأنهم لا يدرون عما في قلبه؛ لأنه يشهد أن لا إله إلا الله، وهنا الرسول قال هكذا، ولم يبرئ الرجل، إنما أتى بعبارة عامة بأن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله، ونهى أن نطلق ألسنتنا في عباد الله الذين ظاهرهم الصلاح، ونقول: هذا مراء، هذا فاسق، وما أشبه ذلك؛ لأننا لوأخذنا بما نظن فسدت الدنيا والآخرة؛ فكثير من الناس نظن بهم سوء، ولكن لا يجوز أن نقول ذلك وظاهرهم الصلاح، ولهذا قال العلماء: يحرم ظن السوء بمسلم ظاهره العدالة.
|